لا بد أنك قد قرأت أو سمعت عن التكنولوجيا الحديثة البلوك تشين. خاصةً إذا كنت من المهتمين بمواضيع العملات الرقمية، فقد ارتبطت تكنولوجيا البلوك تشين مع العملات الرقمية وكأن هذه التقنية مخصصة لهذا الغرض فقط! في حقيقة الأمر هذه التقنية لم تبدأ مع العملات الرقمية، بل كان لها استخدامات أخرى بين المطورين وقد بدأت كأداة لختم البيانات تحديد زمن كتابتها “Timestamp”.
في هذا المقال سنوضّح استخدامات مختلفة للبلوك تشين وفي مجالات أخرى بعيدة تماماً عن العملات الرقمية. وستظهر لك الجوانب الأخرى لهذه التقنية. التي إذا تم استخدامها في هذه المجالات المختلفة فستحقق تطوراً في طريقتنا في التعامل مع البيانات والتخزين.
كيف تعمل تقنية البلوك تشين؟
بعيداً عن التفاصيل التقنية العميقة للبلوك تشين التي تحدثنا عنها في مقالات أخرى. ولكن لابد لنا من أن نشرح طريقة عملها ولو بشكل مختصر لكي تستطيع فهم إمكانياتها والسبب الذي يجعلها حديث جميع التقنيين. البلوك تشين بكل بساطة هي تقنية لحفظ وتخزين المعلومات “Data” أياً كان شكلها أو نوعها (عملات رقمية، صورة، كتابة… إلخ) .
يتم حفظ المعلومات في خانة تسمى “Block” ومع كلّ Block تحصل على رمز مشفر فريد يدعى “hash” ، هذا الرمز يعمل على تأكيد أن محتوى كل “Block” من المعلومات تابع لهذا الـ hash (مثل مفتاح تحقق). عند تعديل أو تغيير أو إضافة لأي جزء من البيانات فلن يتم إضافة تعديلك إلى الـ Block نفسه، بل سيتم إنشاء Block جديد وله hash جديد مرتبط بالقديم.
لهذا السبب تدعى هذه التقنية “البلوك تشين” لأنها مترابطة مثل السلسلة. هذه التقنية يمكن القول عنها إنها غير قابلة للاختراق، وغير قابلة للتعديل أو التغيير. لهذا السبب تفتح لنا هذه التقنية مجالات عديدة ليس فقط في مجال العملات الرقمية، بل يوجد استخدامات أخرى سأقوم بشرحها في هذا المقال.
استخدام تقنية البلوك تشين في مجال الكتابة
إذا كنت كاتب محتوى فلابد لك أن تكون قد مررت بأحد المواقف التي ترى فيها شخص ما قد قام بنسخ مقالك أو أحد بحوثك وتقاريرك وقام بنسبها لنفسه ! صحيح أنك ستشعر بالإطراء لأنه قام باختيار مقالك فلابد أنه كان مقالاً رائعاً وإلا لما تمت سرقته . ولكنك أيضا ستشعر بالغضب لأنه قد تم سرقة جهدك كله دون ذكر اسمك او موقعك او اي مايثبت مجهودك.
ربما كان مقالاً ناجحاً جداً للدرجة الانتشار في المواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، فم الذي سيثبت إنك أنت كاتب هذا المقال أو البحث؟ كيف ستثبت ذلك وقد قامت عدة مواقع بأخذه الواحد تلو الآخر؟ لا تقل لي بتاريخ النشر! من السهل جداً إخفاء أو تعديل تاريخ النشر في المواقع والمدونات.
هنا تأتي تقنية البلوك تشين لتحل لك هذه المشكلة. يمكنك بتقنية البلوك تشين أن تقوم بحفظ مقال كامل مع اسم الكاتب، وتاريخ النشر، والمحتوى بأكمله، ومن ثم إصدار شهادة تؤكد هذه المعلومات، لا يمكن بأي حال من الأحوال تغيير تاريخ النشر، أو تغيير المحتوى. سيحفظ مقالك باسمك للأبد، ويمكنك إثبات أحقيتك بالمقالة أو البحث بكل سهولة.
في حال أنك كنت تستخدم مدونات وورد بريس “WordPress” فيمكنك تفعيل التقنية باتباعك لهذا الشرح لكيفية حفظ المقالات باستخدام البلوك تشين.
استخدام تقنية البلوك تشين لحفظ الشهادات
بعد تخرجك من الجامعة، و استلامك شهادتك العلمية، ستجد ختماً كبيراً في منتصف الشهادة، ليثبت أن هذه الشهادة مصدقة من الجامعة. فهل انتهت رحلتك هنا؟ لا ، في حال أردت التقديم على عمل أو سفر، فأيضاً لابد أن تحصل على ختم آخر من المؤسسة التعليمية الحكومية في بلدك للتصديق على الشهادة. ولم تنتهي بعد خطوات التصديق ! في بعض الدول يجب عليك تصديق الشهادة لأكثر من 4 أو 5 جهات عند محاولة معادلتها (في حال كانت شهادتك من دولة أخرى) ولا تتوقف رحلة التصديق هنا فقط.
حتى في حال نجاحك في المقابلة الوظيفية وتقديم لشهادتك ومستنداتك لجهة التوظيف، في بعض الأحيان يحتاج قسم التوظيف إلى بعض الوقت لكي يقوم بتأكيد أوراقك والتحقق منها. كل هذا الوقت والمجهود يمكن اختصاره باستخدام تكنولوجيا البلوك تشين.
تسمح التقنية بحفظ البيانات مثل معلومات الطالب، وشهادته الجامعية وحتى صورة الشهادة ”Time-Stamping“. ثم يمكن التحقق من الشهادة باستخدام الـ hash الخاص بالشهادة والمسجل في بلوك تشين . يمكن وضع باركود صغير ” Barcode ” على الشهادة أو حتى الـ hash في أسفل الشهادة أو زاويتها. ومن ثم يصبح التحقق من الشهادة بسيط للغاية في موقع الجامعة أو في البلوك تشين المستخدم.
فقط تقوم بمسح الباركود أو إدخال صورة الشهادة التي تحمل hash في النظام ومن ثم يقوم بمقارنة hash الشهادة مع الموجود في البلوك تشين، في حال التوافق، فمبارك لك، تم التصديق!
لن يحتاج الشخص إلى الذهاب لعدة مؤسسات وجهات مختلفة من أجل تصديق الشهادة، سيوفر هذا الأمر عليه الوقت، والجهد، ويوفر على الجهات الطالبة للتصديق أيضا. بتأكيد لاتزال بعض الأختام مهمة ولكن باستخدام البلوك تشين فيمكن التقليل منها وتسهيل عملية التحقق من الشهادة. أيضا بالإمكان استخدام هذه التقنية مع الشهادات الأكاديمية الأخرى، مثل الدورات والشهادات الاحترافية وغيرها. يمكن التحقق من صحتها باستخدام البلوك تشين. تم إستخدام هذه التقنية بالفعل من قبل بعض الجامعات الاجنبية وايضاً العربية مثل جامعة دبي في دولة الإمارات !
استخدام تقنية البلوك تشين في الأوراق الرسمية
تخيل أنك كنت تريد أن تقدم على طلب ما في أحد الجهات، ومطلوب منك ورقة رسمية مختومة ومصدقة من جهات عدة أخرى لاستكمال طلبك. ربما تكون هذه الورقة لديك منذ زمن طويل وقمت بالاحتفاظ بها نظراً لأهميتها . في ذلك اليوم الذي تريد أن تستكمل طلبك فيه اكتشفت أن هذه الورقة المطلوبة قد ضاعت منك! ماذا ستفعل الان؟
بالطبع لا يوجد أي حل آخر لاستكمال الطلب سوى أن تقوم باستخراج هذه الورقة مرة أخرى ومن ثم التصديق عليها وختمها من الجهات الأخرى مره ثانية. ستخسر الوقت والجهد والمال في استخراج هذه الورقة، ولكن باستخدام البلوك تشين يمكن وضع الأوراق الرسمية والشهادات المصدقة كنسخة إلكترونية محفوظة للأبد في البلوك تشين، مع أختامها وتصديقاتها. يمكن استخراجها بسهولة وفي دقائق معدودة باتباع نفس الخطوات التي ذكرناها في الشهادات الجامعية.
استخدام تقنية البلوك تشين في مجال الصحة
يمكن أيضا حفظ التقارير المهمة والسجلات في البلوك تشين. بهذه الطريقة بالإمكان ضمان عدم ضياع أو تلف أي سجل من السجلات الطبية أو الأدوية المستخدمة ، نظراً لأهميتها للمريض. كما أنه عند وضعها في تقنية البلوك تشين فيمكن ضمان عدم تغيير أو التعديل على أي من السجلات المحفوظة بما يسمح باستخدامها في حال وجود أخطاء طبية. ولكن قد يطرح استخدام تقنية البلوك تشين في هذا المجال بعض التساؤلات حول كيفية حماية خصوصية المريض عند استخدام البلوك تشين . ولعل احدى الاجابات المقترحة هي استخدام منصات البلوك تشين خاصة وليست عامة. او تشفير اسم المريض ومعلوماته الشخصية في البلوك تشين الى ارقام يمكن وصلها بالمستندات الطبيه
سلبيات تقنية البلوك تشين
تحدثنا كثيراً عن مميزات البلوك تشين وعن كيفية قدرتها على تسهيل حياتنا بشكل كبير وان مجالاتها مفتوحة للغاية ولكن إذا كانت فيها كل هذه المميزات بالفعل فلماذا لم يتم تطبيقها بشكل واسع حتى الآن؟
الإجابة على هذا السؤال معقدة قليلاً ولكن يمكننا اختصارها بأن سلبيات البلوك تشين متشعبة، لا تزال هذه التقنية تحت النقاش عند المطورين. ولا تزال هذه التقنية تعد في مراحلها الأولى، فلم يكتمل تكوينها بعد وستحتاج إلى المزيد من الوقت للتطوير والتعديل ، ولكنها قابلة للاستخدام حالياً. أيضا أحد السلبيات هو أن هذه التقنية حديثة، ولا يوجد العديد ممن يفهمون كيفية عملها وكيفية التعامل معها.
نعم يوجد الكثير من المطورين ولكن ليسوا متخصصين في البلوك تشين. ولهذا نجد سلبية أخرى وهي ارتفاع تكاليف رفع البيانات والمستندات على البلوك تشين، لأنك ستحتاج إلى استخدام شركات ومطورين متخصصين وقلة ما تجد هذه الشركات المتخصصة في البلوك تشين.
أيضا من السلبيات الأخرى هي عدم قدرة التقنية على استيعاب كميات ضخمة من البيانات حتى الآن، لا يزال الأمر قيد التنفيذ، ولكن في الوقت الحالي يوجد به قيود تمنع تحقيقه.
تقنية البلوك تشين هي تقنية مثيرة للاهتمام فعلاً وأعتقد أن استخداماتها ستصبح أكثر بكثير مما نتوقع، ولكن نحتاج أولا أن نتخطى العقبات الموجودة فيها حالياً. وأن نقوم بتركيز جهودنا على هذه التقنية من ناحية التعلم عنها أكثر والتعمق فيها بشكل أوسع.وتحديد استخداماتها المختلفة الاخرى ودراسة تأثيراتها السلبية والايجابية قبل التطبيق.
المقال بمشاركة من Dishelf